كيف خاض الفيتناميون والفلسطينيون حروب تحريرهم، وكيف أدار كل منهم قضيته أمام العالم وعند محيطهم وفضائهم الجغرافي، لقد خضع الشعبان لاحتلالين مختلفين، فالفيتناميون احتلهم الفرنسيون والأمريكيون وهما قوتان عظميان، أما الفلسطينيون فقد واجهوا دولة إسرائيل الناشئة منذ 1948 وفي كل مرة يخسرون المزيد من أراضيهم حرباً وسلماً، على الرغم من أن الإسرائيليين كانوا أقل تسليحاً وعدداً، لكنه الدهاء وتوظيف الإمكانات.
في العام 1946 أي قبل الحرب العربية الإسرائيلية بعامين فقط، سعى الفرنسيون لاستعادة سيطرتهم على فيتنام، لتندلع حرب مقاومة شرسة ضد الوجود الفرنسي في كل أرجاء البلاد، اضطرت الفرنسيين للهروب، وفي 1954 ونظراً لانتشار حمى الشيوعية انقسمت فيتنام إلى شطرين شمالي وجنوبي، أدت إلى حرب أهلية بينهما، كانت فيه الولايات المتحدة طرفاً محتلاً ومسانداً للشطر الجنوبي.
يقول الكاتب عبد الجواد عمر في بحث طويل له عن فيتنام عنوانه «حرب البراغيث: هزيمة أمريكا في فيتنام»: «استمرت الحرب على مدى أكثر من عشرة آلاف يوم، نالت فيتنام بعدها حريتها من الاستعمار الفرنسي، وأعادت توحيد طرفيها في دولة واحدة، ومُسقِطَةً كذلك المشروع الأمريكي؛ الذي هدف إلى الإبقاء على فيتنام الجنوبية دولة تابعة وقابلة للحياة في قلب الهند الصينية، أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من ثمانية وخمسين ألف جندي أمريكي وما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين فيتنامي».
إنها قصة الشعوب.. الحياة التي لا تزايد على محيطها، لم يطلب الفيتناميون من جيرانهم «الشرق آسيويين» تحرير بلادهم نيابة عنهم، ولم يبتزوا شعوبها ليل نهار، لم يقولوا إنها قضيتهم المركزية التي يجب أن تتعطل تنمية الجميع من أجلها وتبذل المليارات دون نتيجة لتبقى المنطقة حبيسة القتل والدمار مئة عام.
لم نسمع عن تحول قيادات «منظمة التحرير الفيتنامية» إلى مليارديرات تطوف أموالهم ببنوك سويسرا وباريس وماليزيا، ولم نشاهد أولاد القيادات الفيتنامية يدرسون في أمريكا وكندا وموسكو وآباءهم عبر القنوات والإذاعات يلعنون أمريكا ليل نهار.
بالتأكيد لا توجد حماس فيتنامية عميلة لإيران تقصف أمريكا بصواريخ «تنك» لتنفس عن إيران وتسدد فواتيرها السياسية، ولا فيتناميون يرقصون الدبكة الآسيوية ويطالبون من الصينيين والفلبينيين واليابانيين الموت من أجلهم.
هل سمعتم عن خمسين ألف مقاتل فيتنامي يلتحقون بجيش الدفاع الأمريكي كما التحق خمسون ألفاً من الفلسطينيين بالجيش الإسرائيلي، أنا لم أسمع.
لم يقل الفيتناميون إن عدوهم قوة مغتصبة تربض على أرضهم وإنهم غير قادرين على مواجهته، بل انتظموا في طوابير طويلة نحو الموت رجالاً ونساءً وأطفالاً احترقوا وذابوا تحت حميم النيران التي كانت تصبها الطائرات الأمريكية كل ثانية، لم يذهبوا إلى أوسلو من أجل التوقيع على اتفاق سلام سري، لم يحتضنوا رابين وبيريز، ما فعلوه كان الاستمرار في التضحية دون انتظار أحد، معتقدين بنظرية أن كل شعب يؤمن بتحرير أرضه سيحققها.
وهنا يكمل عبد الجواد عمر في منشوره: «لقد نجحت جبهة التحرير الفيتنامية في تحويل الجغرافيا والطوبوغرافيا إلى أدوات قوية في حربها مع الولايات المتحدة وجنوب فيتنام. علاوة على ذلك، خاض الفيتناميون حرباً نفسية موجهة ومؤثرة استهدفت الروح المعنوية لدى الأمريكي ورغبة الأخير في مواصلة حرب مكلفة. وعملت أيضاً على ترسيخ وتقوية جبهتها الداخلية».
أخيرا، وبكل وضوح لم ينشر الفيتناميون ثقافة الكراهية ولم يحرقوا صور زعماء جيرانهم ولا استعدوا عليهم أحدا، فقط أخذوا أمر تحرير ترابهم على عاتقهم بكل مسؤولية، وبذلوا أرواحهم من أجل وطنهم المقدس ونجحوا في ذلك أيما نجاح.
* كاتب سعودي
massaaed@
في العام 1946 أي قبل الحرب العربية الإسرائيلية بعامين فقط، سعى الفرنسيون لاستعادة سيطرتهم على فيتنام، لتندلع حرب مقاومة شرسة ضد الوجود الفرنسي في كل أرجاء البلاد، اضطرت الفرنسيين للهروب، وفي 1954 ونظراً لانتشار حمى الشيوعية انقسمت فيتنام إلى شطرين شمالي وجنوبي، أدت إلى حرب أهلية بينهما، كانت فيه الولايات المتحدة طرفاً محتلاً ومسانداً للشطر الجنوبي.
يقول الكاتب عبد الجواد عمر في بحث طويل له عن فيتنام عنوانه «حرب البراغيث: هزيمة أمريكا في فيتنام»: «استمرت الحرب على مدى أكثر من عشرة آلاف يوم، نالت فيتنام بعدها حريتها من الاستعمار الفرنسي، وأعادت توحيد طرفيها في دولة واحدة، ومُسقِطَةً كذلك المشروع الأمريكي؛ الذي هدف إلى الإبقاء على فيتنام الجنوبية دولة تابعة وقابلة للحياة في قلب الهند الصينية، أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من ثمانية وخمسين ألف جندي أمريكي وما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين فيتنامي».
إنها قصة الشعوب.. الحياة التي لا تزايد على محيطها، لم يطلب الفيتناميون من جيرانهم «الشرق آسيويين» تحرير بلادهم نيابة عنهم، ولم يبتزوا شعوبها ليل نهار، لم يقولوا إنها قضيتهم المركزية التي يجب أن تتعطل تنمية الجميع من أجلها وتبذل المليارات دون نتيجة لتبقى المنطقة حبيسة القتل والدمار مئة عام.
لم نسمع عن تحول قيادات «منظمة التحرير الفيتنامية» إلى مليارديرات تطوف أموالهم ببنوك سويسرا وباريس وماليزيا، ولم نشاهد أولاد القيادات الفيتنامية يدرسون في أمريكا وكندا وموسكو وآباءهم عبر القنوات والإذاعات يلعنون أمريكا ليل نهار.
بالتأكيد لا توجد حماس فيتنامية عميلة لإيران تقصف أمريكا بصواريخ «تنك» لتنفس عن إيران وتسدد فواتيرها السياسية، ولا فيتناميون يرقصون الدبكة الآسيوية ويطالبون من الصينيين والفلبينيين واليابانيين الموت من أجلهم.
هل سمعتم عن خمسين ألف مقاتل فيتنامي يلتحقون بجيش الدفاع الأمريكي كما التحق خمسون ألفاً من الفلسطينيين بالجيش الإسرائيلي، أنا لم أسمع.
لم يقل الفيتناميون إن عدوهم قوة مغتصبة تربض على أرضهم وإنهم غير قادرين على مواجهته، بل انتظموا في طوابير طويلة نحو الموت رجالاً ونساءً وأطفالاً احترقوا وذابوا تحت حميم النيران التي كانت تصبها الطائرات الأمريكية كل ثانية، لم يذهبوا إلى أوسلو من أجل التوقيع على اتفاق سلام سري، لم يحتضنوا رابين وبيريز، ما فعلوه كان الاستمرار في التضحية دون انتظار أحد، معتقدين بنظرية أن كل شعب يؤمن بتحرير أرضه سيحققها.
وهنا يكمل عبد الجواد عمر في منشوره: «لقد نجحت جبهة التحرير الفيتنامية في تحويل الجغرافيا والطوبوغرافيا إلى أدوات قوية في حربها مع الولايات المتحدة وجنوب فيتنام. علاوة على ذلك، خاض الفيتناميون حرباً نفسية موجهة ومؤثرة استهدفت الروح المعنوية لدى الأمريكي ورغبة الأخير في مواصلة حرب مكلفة. وعملت أيضاً على ترسيخ وتقوية جبهتها الداخلية».
أخيرا، وبكل وضوح لم ينشر الفيتناميون ثقافة الكراهية ولم يحرقوا صور زعماء جيرانهم ولا استعدوا عليهم أحدا، فقط أخذوا أمر تحرير ترابهم على عاتقهم بكل مسؤولية، وبذلوا أرواحهم من أجل وطنهم المقدس ونجحوا في ذلك أيما نجاح.
* كاتب سعودي
massaaed@